البيان الختامي للمؤتمر المسؤولية الاجتماعية للجامعات

07/06/1434
 


للجامعات ثلاث مسؤوليات رئيسة، هي التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع. وفي الغالب فإن مسؤولية خدمة المجتمع يقلّ الاهتمام بها ، وغالباً ما يتم الخلط بين مفهوم المسؤولية المجتمعية وخدمة المجتمع، التي تقع ضمن مهام الوظيفة الثالثة للجامعات، ولكن المسؤولية المجتمعية مفهوم أوسع وأعمق بكثير، ويمكن تعريف المسؤولية الاجتماعية للجامعة بأنها التزام بتشرب وممارسة مجموعة من المبادئ والقيم من خلال وظائفها الرئيسة المتمثلة في التدريس والبحث العلمي والشراكة المجتمعية والإدارة المؤسسية. وجوهر هذا الدور الاجتماعي للجامعات هو الالتزام بالعدالة والمصداقية والتميز وتعزيز المساواة الاجتماعية والتنمية المستدامة والاعتراف بالكرامة والحرية  للفرد وتقدير التنوع والتعدد الثقافي وتعزيز حقوق الإنسان والمسؤولية المدنية.
إن أحد الجوانب المهمة للمسؤولية الاجتماعية للجامعات هو تنمية مواهب الطلاب حتى يكونوا مواطنين منتجين ومسؤولين ومورداً كبيراً لمساعدة المجتمعات. وفي عصر تتزايد فيه النزاعات السياسية في معظم مناطق العالم والسلم مهدد على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية يتعين على الجامعات أن تغرس في طلابها تفهم وتقدير واحترام الثقافات المتعددة، والرغبة في مساعدة الأقل حظا ومعالجة تحديات تكون أعظم من اهتماماتهم الشخصية والاعتراف بدورهم في جعل المجتمع والعالم بشكل عام مكانا أفضل للعيش فيه. وتشمل برامج تعزيز المسؤولية الاجتماعية كلا من الأنشطة الصفية واللاصفية وتشجيع مبادئ التنمية المستدامة داخل الحرم الجامعي علاوة على الخدمات الاجتماعية والبرامج التربوية للطلاب خارج الحرم الجامعي .
وتزداد المسؤولية الاجتماعية للجامعات بدرجة أكبر في الاقتصاد الحديث المدفوع بعوامل العولمة والتقدم في تقنية المعلومات والابتكار العلمي والتقني والتنافسية العالمية. وتحتاج الجامعات لتطبيق تقنيات ومعرفة جديدة لمجابهة التحديات العالمية الرئيسة بما فيها تغير المناخ والفقر والصحة والغذاء والصراعات. وأن يكون لديها أهدافا بعيدة المدى للتحديات التي تواجه المجتمع، وأن تشجع السلام العالمي، وأن تغرس في نفوس الطلاب الفهم والتقدير للثقافات المتنوعة والرغبة في تقديم المساعدة للآخرين وجعل العالم مكاناً أفضل للعيش فيه.

التدريس والتعلم

هناك خدمة مهمة تسديها الجامعات للمجتمع في رعاية رأس المال البشري لدعم تنمية البلد على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والعلمي. وفي هذا المسعى، فإن على الجامعات ضمان إتاحة الفرصة المتساوية في التعليم للجميع ولذوي الاحيتاجات الخاصة والفئات الأقل حظا في المجتمع.
وتقع على الجامعات مسؤولية ضمان ألا تخضع برامجها الأكاديمية والبحثية  فقط لمتطلبات سوق العمل. وأن تشجع المناهج متعددة التخصصات لربط العلوم الطبيعية التطبيقية بالعلوم الاجتماعية.
وعلى هيئة التدريس الأخذ في الاعتبار اعتماد منهجية متعددة التخصصات في التدريس والتكامل بين العلوم الطبيعية والتطبيقية والاجتماعية حتى لا تنعزل المعرفة عن سياقها. وبنفس القدر على الجامعات التأكد من أن المقررات المتخصصة تشمل أمورا كالبيئة والتأثير الاجتماعي والتداعيات الأخلاقية للنشاط العلمي. ويتعين تعريف الطلاب بالمفاهيم الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية وإدراك التحديات العالمية وتشجيعهم على العمل محليا والتفكير عالميا. وتشجيع برامج التبادل الثقافي بين المؤسسات التعليمية في بلدان أخرى، وبذلك يمكن للجامعات المساعدة بقدر أكبر في تعزيز مفهوم التعدد الثقافي وتحسين مهارات فهم الثقافات الأخرى.

البحث العلمي

بطبيعة الحال البحث العلمي ضروري في إنتاج المعرفة لخدمة المجتمع وتحسين نوعية وجودة الحياة. وبدأت بعض الجامعات سعيا منها لتحسين مركزها في التصنيف العالمي للجامعات في إغلاق بعض الأقسام التي يكون لها ناتج بحثي متواضع، في استقطاب باحثين ذوي مهارات عالية من البلدان المتقدمة، إلا أنه ليس من الضروري أن يكون البحث العلمي هو الرسالة الأساسية لمعظم الجامعات.
إن بعض الأبحاث المتقدمة في الطب وعلم الوراثة على سبيل المثال تثير قضايا أخلاقية، ويمكن أن تكون لها آثار اجتماعية خطيرة. وتقع على الجامعات مسؤولية ضمان معالجة هذه القضايا بشكل مسؤول بأن لا تأخذ في الحسبان البيئة الأخلاقية المحلية فحسب بل جانبها العالمي كذلك.
وقد تسببت التقنية المتقدمة واحتدام المنافسة إلى زيادة الغش والفساد وإذا أضيف إلى ذلك الرغبة في الصيت وتبوئ مكانة مرموقة، وهذا بدوره يؤدي إلى التلاعب بنتائج البحث العلمي علاوة على حالات الانتحال في الأوراق البحثية والأطروحات العلمية. وعلى الجامعات اتخاذ كل الخطوات لتجنب حصول هذه الحالات وأن تغرس في نفوس أعضاء هيئة التدريس والطلاب التبعات الاجتماعية الناتجة عن الغش والاحتيال.
ومع الانخفاض العام في التمويل فإن البحث العلمي صار يمول في الغالب من القطاع الخاص. وهناك حالات مول فيها القطاع الخاص البحث العلمي هادفا فقط لتعزيز مصالحة الخاصة في مجالات صناعة الأدوية والزراعة والمنتجات الغذائية.

الشراكة المجتمعية

من بين أهم جوانب المسؤولية الاجتماعية للجامعات صياغة مواطنين منتجين ومسؤولين وتشجيع المشاركة الواسعة في المجتع المدني وتنمية المهارات والاتجاهات لتحقيق ذلك، وهو أمر من الأهمية بمكان في التعليم العالي. ويعرف ذلك غالبا "بالمهمة الثالثة" والتي تشتمل على  نقل التقنية، والابتكار، والتعليم المستمر. وهذا الجانب في التعليم العالي جزء أساسي في التزام الجامعة لعموم المجتمع وهو بنفس الأهمية للخبرة والتجربة التربوية والتعليمية لكل طالب. وعلى الرغم من أهمية هذا البعد للتعليم العالي إلا إنه نادرا ما يبرز في المناهج.
ويشكل الطلاب ثروة ضخمة من الموارد القيمة في مساعدة المجتمعات التي ترفدها الجامعة بخدماتها. فبالإضافة إلى أن الطلاب المنخرطين في الشراكة المجتمعية يمكن أن يتعلموا كيفية التعاطي مع القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية، فإن هذا الانخراط يعزز الشعور بالمسؤولية المدنية ويشجع على زيادة الشعور بهذه المسؤولية لدى الخريجين، ويجعلهم راغبين في العمل على تحسين نمط الحياة لكل شرائح المجتمع. وتشجع الجامعات في البلدان المتقدمة طلابها على التفكير في خدمة المجتمع الدولي في البلدان النامية بمعدلات متزايدة، وهذا النوع من المشاركة يعزز أنواعا جديدة من التعاون والتفاهم بين الثقافات المتعددة.

الاستدامة البيئية في الجامعة

من خلال تعزيز ممارسات التنمية المستدامة في كل جامعة يمكن أن تضرب الجامعات بذلك النموذج والقدوة الحسنة التي يحتذى بها، كأن تطرح الجامعات إجراءات لتوفير الطاقة والتشجيع على استخدام مصادر الطاقة المتجددة داخل الحرم الجامعي. ويمكنها كذلك تقليل المواد التي يمكن التخلص منها وإعادة تدوير النفايات. وبذا يمكن أن تهيئ بيئة جامعية جاذبة وصحية وآمنة لهيئة التدريس والطلاب معا.
إن الإدارة التي تأخذ في الحسبان الاستدامة البيئية تتواءم بشكل وثيق مع السياسات الأخرى للإدارة المسؤولة. وبالتالي على الجامعات ممارسة إدارة تتسم بالشورى والعدالة والشفافية والمساءلة. والأهم في ذلك كله المشاركة الكاملة للطلاب في هذه العمليات التي عبرها يمكن للجامعة تعليم طلابها جوانب مهمة في المسؤولية الاجتماعية.

الخلاصة
يمكن القول بأن الجامعات هي التي تدرب قادة وصناع القرار في المستقبل فإن من مسؤوليتها ضمان أن يصبح خريجوها مواطنين مسؤولين اجتماعيا. وإذا كان الأمر كذلك فعلى الجامعات مقاومة تأثيرات الاهتمام فقط بتحقيق الأرباح والنظرة إلى الأمور كما لو كانت سلعا تباع وتشترى وهي نظرة أسهمت فيها تأثيرات العولمة مما يحرف المؤسسات التعليمية عن مسؤوليايها الرئيسة باعتبارها مؤسسات اجتماعية تقع على عاتقها مسؤولية الحاجات المجتمعية طويلة الأجل.
إن كوكب الأرض في وقتنا الحاضر يمر بمنعطف خطير من النواحي البيئية والسياسية والاقتصادية وسيتحدد المستقبل بالقرارات التي يتخذها كل مجتمع على حدة. وتقع على الجامعات مسؤولية الإسهام في المعرفة ورفع القدرة الفكرية التي سوف تحقق الصحة للمجتمعات والسلامة للبيئة وبالتالي على الجامعات التمعن في مسؤوليتها باعتبارها أحد المبادئ المهمة الموجهة لها في كل مهامها الرئيسة.


24/07/1442 11:17 م